دخاخين سوداء

خبير دولي يكشف لـ"لفانوس" عن مهددات وجودية على سكان عدن

الفانوس - تقرير خاص

في العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن يعيش السكان على بحيرة من المهددات الوجودية، بعد أن تجاوز الوضع مرحلة المصطلحات الروتينية من قبيل الكارثة والأزمة وغير ذلك من العناوين التي لا يمكن أن تكون دقيقة في تفسير الواقع الصحي والبيئي الآخذ بالتشكل على هيئة موت بطيء سيأتي على كل ما فيه روح في المدينة، وهذا ليس سياقا تهويليا لجذب القارئ كما سيتوهم البعض، بل أنه محاولة جدية وموضوعية للتمهيد لما سيتضمنه هذا التقرير المبني على شواهد ومشاهد لملمح موت عاشته وستعيشه المدينة في المستقبل، إن لم تتوفر حلول سريعة وعاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ومع أن التقارير الدولية المطلعة على الوضع البيئي والصحي والمائي في عدن تُشخِّص حالات كارثية بالغة الخطورة إلا أن هذه التقارير تُقرأ لدى الحكومة والسلطة المحلية والانتقالي، على أنها حسابات مالية، منعدمة الاستفادة على صعيد البنية المؤسسية والإدارية والمالية والبحثية، وفي هذا السياق لا نستهدف أحدا، بقدر ما نحاول أن نضع الكارثة في قوالب المسؤولية الوطنية والأخلاقية.

منصة "الفانوس" ومن منطلق صحفي ومهني توخينا فيه الدقة والموضوعية تضع أمام الجهات المعنية، والمنظمات الدولية والرأي العام هذه القضية، وتقدمها بمعلومات وقرائن وحيثيات ملموسة الآثار والنتائج، لكنها خفية كمصادر ومهددات.

ذهبنا في هذا التقرير لنستجلي ما خلف هذه الصورة من أسئلة واجابات أكثر دقة، حول الواقع الصحي والبيئي والمائي في عدن، وطرحنا على خبير دولي فضل عدم ذكر اسمه سؤالا افتتاحيا قادنا تباعا إلى دهاليز الكارثة ذات الأوجه المتعددة.

هل الحياة في مدينة عدن ملوثة، يجيب على هذا السؤال الخبير الدولي بقول" نعم الحياة في مدينة عدن ملوثة ولكن مثل هكذا إجابة قد لا تعطي صورة صادقة لما يجري في الواقع ولا يمكن تقبلها هكذا لمجرد الكلام الانشائي"

مخلفات السفن الدولية العملاقة وراء نفوق الأسماك على سواحل عدن

إذن ما هي مصادر التلوث في عدن، يجيب الخبير الدولي بقوله" هناك مصدران رئيسيان للتلوث في عدن هما: تلوث في البيئة البحرية والسواحل، والمصدر الآخر هو التلوث في المياه وهناك تلوث في أحواض المياه في بئر أحمد وبئر ناصر، مضاف إلى ذلك تلوث تسببه تهالك شبكة الصرف الصحي، وتلوث تسببه المخلفات الطيبة والكيماوية، ومخلفات السموم، وهناك تلوث مناخي، والكثير من التقديرات تذهب للتأكيد أن ما يزيد عن 80% من المركبات التي تعمل داخل عدن هي خارج الأمن الاقتصادي، أي أن نسبة الفوسفات التي تصدر عن السيارات كبيرة للغاية".

 

تلوث البيئة البحرية ونفوق الأسماك بفعل تنظيف السفن العملاقة عند خليج عدن

في إجابته على سؤالنا حول ما لديه من اثباتات عن حقيقة وجود تلوث في البيئة البحرية والسواحل يقول الخبير الدولي" خلال السنوات الفائتة حدثت حالات نفوق هائلة للأسماك في البحر، ولوحظ أيضاً ان الطيور البحرية كانت تختفي، ولون المياه أيضاً في سواحل عدن، بالذات ساحل خور مكسر متغيّر، والرائحة مختلفة تحمل خليط من البترول ومواد كيماوية وغيره"

ويضيف الخبير الدولي "لا نستطيع أن نقول ما هي الأمراض التي أضرت الناس، لأن نسبة التلوث على ساحل خور مكسر لم يحدث أن جاءت جهة بمختبراتها ومعاملها واختبرت الماء والتربة والأسماك النافقة وحتى الطيور، ولكن قبل البحث عن أسباب الظاهرة، الخطورة في الأمر أن النتائج المعملية مخفية"

ويستشهد بقوله" الصيادون في صيرة وسواحل أبين رصدوا بأم أعينهم نقطة في عمق خليج عدن يمكن أن تسميها تقاطع الجرف القاري مع المياه الدولية تتوقف فيها السفن العملاقة (ناقلات البترول والمواد الكيمياوية)، وهناك مضخات عملاقة تقوم بعملية التنظيف لأنّ هذه السفن تريد أن تلتزم بمعايير البلدان المتقدمة التي تذهب لها بحيث تصل إليها نظيفة، وبالتالي يتم تنظيفها على حساب سواحل اليمن".

ويضيف" أيضاً البحر دفع بمستوعبات خلال فترات سابقة إلى سواحل عدن، هي عبارة عن مخلفات مواد كيمياوية تتخلص منها في البحر، وكما أشيع في اليمن أنّ بعض الشركات قامت بدفن موادها الكيمياوية في البحر في المياه الدولية القريبة من اليمن على البحر الأحمر وخليج عدن".

 

القضية من منظور التشريعات والقوانين اليمنية

ومع أن اليمن تمتلك قوانين وتشريعات حاسمة للكثير من المشاكل والكوارث البيئية إلا أنها ما تزال حبرا على ورق، وغير قابلة للتطبيق حتى في الحدود الدنيا.

مثلا القانون 26 لسنة 1995: هو إلى حد بعيد التشريع البيئي الأكثر شمولاً حتى الآن يحدد في (المادة 5) نطاق ومسؤوليات هيئة حماية البيئة ويدعو (في المواد 6-14) لحماية المياه والتربة، وإنشاء مناطق محمية، ويوفر إطارا قانونيا لمراقبة واستخدام مبيدات الآفات (المواد من 15 إلى 21) ، توفر الإطار القانوني للسيطرة على التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية الحياة الفطرية والكائنات البحرية خاصة تلك المهددة بالانقراض (المواد 22-29) ، كما تحظر نفس المواد صيد أنواع محددة من الطيور والحيوانات البرية (المادة 28) وكذلك تدمير موائلها الطبيعية، تفوض وكالة حماية البيئة والوكالات ذات الصلة لإعداد وإنفاذ المعايير البيئية، المعايير والمواصفات (المواد من 30 إلى 34)، تنص على ضرورة إجراء تقييمات الأثر البيئي كشرط مسبق للمرخص لهم بمشروعات التنمية (المواد 35-43)، وتوفر الإطار القانوني للتعامل مع النفايات والمواد الخطرة (المواد 44-55)، ينشئ شبكات مراقبة بيئية (المادة 58-61)، ويحظر تصريف تلوث السفن في مياه البحر (المواد 62 - 64). المواد 75-86 تغطي حماية الهواء والماء والأرض من جميع مصادر التلوث. المواد 75-86 التعامل مع المخالفات والعقوبات، ينشئ شبكات مراقبة بيئية (المادة 58-61).

وحول ما يفرضه القانوني اليمني من عقوبات على أي مخالفات للمواد سالفة الذكر تمتلك اليمن إجراءات صارمة للتعامل مع كل المهددات المنتشرة اليوم في البحار والسواحل اليمنية.

مثلا القانون اليمني رقم 11 لسنة 1993 بشأن حماية البيئة البحرية من التلوث يهدف إلى حماية البحر من التلوث وبشكل أساسي التلوث بالزيت والتلوث من السفن العابرة ويحدد القانون إجراءات الملاحقة والمعاقبة وطلب التعويض من السفن المخالفة للقانون، ويمنح المؤسسة العامة للشؤون البحرية السلطة التشريعية للتعامل مع التلوث النفطي في البحر، ويحظر القانون في مادته رقم 35 أي شكل من أشكال تصريف الملوثات من أي نوع ومن أي مصدر في البحر دون معالجة مسبقة.

كما يحظر القانون على المحلات والمجمعات الصناعية والسياحية والمنشآت والأماكن العامة تصريف أو رمي أو إغراق أي مواد ملوثة أو نفايات أو سوائل غير معالجة، والتي قد تتسبب في تلوث شواطئ الجمهورية اليمنية سواء عن قصد أو بغير قصد وبشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ويعتبر القانون التسريح جريمة يعاقب عليها القانون حيث يعتبر كل إبراء ذمة في أي يوم جريمة واحدة منفصلة لا يصرح القانون بالبناء على ساحل البحر أو بالقرب منه مما قد يؤدي إلى تصريف مخالف لأحكام القانون ما لم يتم توفير وحدات معالجة مياه الصرف الصحي والنفايات.

كذلك قانون رقم 15 لسنة 1994: الذي يتعامل مع الأحكام القانونية لتسجيل السفن والوثائق والمراقبة والإشراف، كما أنه يتعامل مع تلك الأحكام المتعلقة بالحوادث البحرية، ومن أهم الموضوعات التي يتناولها هذا القانون "وثائق السفينة" ، ومن أهمها الشهادات التي تحمي من التلوث ، وسجل صرف الزيوت، ومن أهم الوثائق الخاصة بمراكب الصيد أيضا الوثائق التي تتعامل مع تصريح الصيد، ويحظر القانون على أي سفينة أجنبية مغادرة الموانئ اليمنية، أو التي تمر أو ترسو في المياه الإقليمية، إلا إذا استوفت جميع متطلبات السلامة بموجب أحكام الاتفاقيات الدولية النافذة في الجمهورية اليمنية فيما يتعلق بحماية الأرواح في البحر والبضائع السفن وحماية البيئة البحرية من التلوث.

تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي يقف خلف 75% من صحة أبناء عدن

وعلى الرغم من أن حصة الفرد في مدينة عدن من المياه الصالحة للشرب تقف عند 60 متر مكعب للفرد سنويا، مقارنة بمعدل عالمي يصل إلى 1110 متر مكعب للفرد سنويا، إلا أن تلك المياه لا تخلو من التلوث، وفي هذا الصدد يقول الخبير الدولي" بالنسبة للتلوث في مصادر المياه وهو الأخطر لأن المياه بالنسبة للبشر تقف خلف 75% من صحتهم واعتلالهم كمؤشر دولي علمي وصحي معروف، وكان سابقا في حقول بئر أحمد وبئر ناصر حرم محدد لحقول المياه، لكن خلال الفوضى والحرب حصل توسّع عشوائي كبير جداً يقدّر بعشرات آلاف البيوت التي تم إنشائها داخل حرم الأحواض المائية وأيضاً تم إنشاء 3000 بيت بالإضافة للبيوت القديمة المتواجدة وهذه البيوت تعتمد على البيارات والصرف الصحي الأرضي، بالإضافة إلى مخيمات النزوح القريبة من الحقول المائية بما فيها هذين الحقلين، كذلك مخلفات القمامة والمخلفات الطبية"

ويضيف" هذه المصادر الملوِّثة وهذه الحقول معروف أنّ طاقتها الإنتاجية انخفضت بشكل كبير وهناك أزمات مياه كبيرة في عدن ولا توجد لها حلول إلا بسياسة شاملة مع ضرورة الإشارة أنها قد بدأت بعض الأفكار بخصوص تحلية المياه، وإيجاد وسائل لتغذية الأحواض المائية بمياه نظيفة، وبنفس الوقت إيجاد حلول للتوسع العمراني العشوائي المرعب الذي دخل إلى حرم الأحواض المائية ومحيطها، وبالتالي هذا له تبعات تلوث على المياه هناك، وحينما نتحدث عن نقص المياه فحصة الفرد الواحد من المياه في عدن واليمن عامة تقدر بـ 50_60 متر مكعب في السنة، بينما المعدل العالمي لحصة الفرد السنوية من المياه تصل إلى 1110 متر مكعب ، وهذا ينعكس على الحالة الصحية للسكان".

ويضيف الخبير الدولي" محطات الصرف الصحي في عدن هي شبكات قديمة شبه منتهية، وهناك تفكير في تجديد بعض الخطوط كما حصل في تدشين مشروع الشبكة من صيرة إلى خور مكسر، الأمر الآخر أنّ هناك اختلاط في مناطق كثيرة بين مواسير الصرف الصحي ومواسير المياه، التي تُعتبر مثقوبة، وهذا تؤكده فواتير المنازل فحينما تدقق فيها ستجد كميات كبيرة من الفاقد".

وفي إطار حماية الحقول المائية من البناء العشوائي وما يترتب عليها من مخالفات قانونية تفاقم من مشكلة التلوث في مياه الشرب واختلاطها بمياه المجاري، لدى اليمن بيئة تشريعية تنظم هذا الأمر منها: قانون رقم 20 لسنة 1995: الذي يهدف إلى التعامل مع إجراءات التخطيط العمراني في جميع أنحاء الجمهورية وفقا للمادة (3) من القانون، ويهدف القانون إلى الاستخدام الأمثل للأرض، وتنظيم استخدامها للأغراض المختلفة، وحماية الأراضي الزراعية ومواقع الموارد الطبيعية من التعدي عليها بأعمال البناء والتشييد، وحماية البيئة من التلوث وحماية الوديان ومجاري المياه ودورات السيول والمياه الجوفية والساحل.

المخلفات الطبية وزيوت السيارات والمواد الكيماوية بؤرة الأمراض في عدن

وفي إجابته عن كيف تتخلص المستشفيات في عدن من المخلفات الطبية والمواد الكيماوية، وكذلك محلات تغيير الزيوت يقول الخبير الدولي" يتم التخلص من كل ذلك من خلال دفن المخلفات السائلة تحت الأرض، والمخلفات الطبية الصلبة تنقل إلى مقالب القمامة الموجودة قريبا من منطقة البريقة وغيرها، وهذه الأكوام من القمامة التي تتكدس فيها مخلفات طبية تتسبب بنقل أمراض، خاصة في مواسم الرياح التي تنقلها إلى عدن، وفترات ارتفاع المد البحري في سواحل عدن، ومقالب القمامة لا يوجد لها معالجة"

ويضيف" أما التلوث التي تحدثه المسطحات المائية المالحة والمياه الراكدة أو الآسنة وانتشار طبقات من البعوض وغيره فهو أيضاً يقف خلف كثير من الأمراض المتعلقة بحمى الضنك وغيرها، وليس صدفة أن تكون عدن أكثر مدينة يمنية حصل فيها وفيات من فيروس كورونا وحمى الضنك وغيرها من الحميات، وأنا اتساءل هنا، هل لدينا تقارير صحيّة تكشف حالات الإصابة بالسرطان والاسهالات وغيرها التي تعكس الوضع الصحي نتيجة التلوث".

ويرد الخبير الدولي على سؤاله بنفسه ويقول" كل المتوفر الآن سواء دراسات أو تقارير هي دولية، من هولندا وألمانيا والأمم المتحدة، لا توجد لدى الحكومة تقارير ولا دراسات أو أي بنية معرفية أو تقاريرية، وهي موجودة فقط لدى الجهات الدولية".

ومع النشاط الملحوظ لوزير المياه والبيئة في حكومة الشرعية وتواصله بالمنظمات الدولية، ومشاركته في أكثر من مؤتمر في دبي وعمّان إلا أنه وحتى اللحظة تغيب أي نتائج علمية مخبرية لقياس كل المصادر الملوثة في عدن، كما لا توجد في أي تصريح للحكومة والسلطة المحلية، ولا يتوفر في تقارير وزارة الصحة ما يتعلق بالأمراض ونتائج التحاليل على السكان من الأطفال والنساء والرجال، كما لا توجد نتائج مجمعة تحدد إلى أي مدى تفتك الملوثات بالسكان في عدن، وكذلك تغيب الإحصائيات حول مؤشر الانفاق السكاني على الفاتورة العلاجية السنوية في مدينة عدن، وتبقى هذه أسئلة مفتوحة للبحث بشكل أوسع مع الجهات المعنية في التقرير التالي لمنصة "الفانوس"، علما أننا تواصلنا مع وزير البيئة والمياه في حكومة الشرعية، ووعدنا بالرد على الأسئلة، وسوف نكثف تواصلنا معه لكي نعرض وجهات نظرهم، وأهم ما يمكن أن ننقله للقارئ الكريم حول المهددات البيئية والصحية في محافظة عدن.

زر الذهاب إلى الأعلى