تقارير معمقة

معالم عدن التاريخية والأثرية.. حاضر غائب وماضٍ يصارع الطمس

ما بين ربطة عنق بـ 300 دولار و652 ريالا مخصص شهري لصيانة "بيغ بن عدن"

الفانوس- تقرير خاص

في محافظة عدن الجنوبية ستجد مسؤولاً يرتدي ربطة عنق في أقل تقدير تبلغ قيمتها 300 دولار أميركي أي ما يعادل 480 الف ريال- سعر الصرف 1600 ريال للدولار، فيما المخصص الشهري لحماية وصيانة أحد أهم معالم عدن التاريخية وهو "ساعة بيغ بن" لا يتجاوز 652 ريالا.

تم تشييد " ساعة بيج بن عدن" 1890م وعلى مرتفع جبل "البنج سار" الذي يطل على ميناء عــــدن الدولي ومدينة التواهي من الجهات الأربع، وشارك عدد من اكفئ المهندسين البريطانيين في تشييدها من الحجارة ذات اللون الاسود والأسمنت الحجري الممزوج بمادة قوية تخلط مع الماء.

مبنى الساعة مستطيل الشكل وسقفه أتخذ شكل مثلث متساوي الأضلاع، مطلي بمادة القرميد الأحمر، والساعة في شكلها ومظهرها يشبه ساعة "بيغ بن البريطانية" المشيدة بالعاصمة لندن.

وأطلق المهندسون البريطانيون على ساعة التواهي "بيغ بن العرب" أو "بيغ بن الشرق" وهي ثاني ساعة في العالم تفردت بميزات هندسية ومعماريه وسياحية فريدة، كما أنها ثاني أكبر ساعة في العالم بعد "بيغ بن اللندنية".

يقول محمد سامي وهو من أحد سكان البنجسار" لا أدري هل يشاهد المسؤولون ساعة البج بن أو لا، لكن أتمنى أن يرفعوا أنظارهم من على جيوبهم، وحتما سوف يرونها" ويضيف" المشكلة ليست بتوقف عمل الساعة ونهبها لكن المشكلة أنها باتت مهددة بالاختفاء بسبب ارتفاع المباني المجاورة لها، وهذا الأمر مخالف للقانون، ولا يقضي على الساعة كمعلم تاريخي وأثري، وكواجهة لعدن".

وليست " ساعة بيغ بن" وحدها من المعالم التاريخية التي لم تعد تساوي شيئا في نظر كثير مسئولين من أبناء عدن أو من خارجها بل هي ضمن قائمة تحوي 46 معلما تاريخيا وأثريا مخصصها الشهري لا يتجاوز 30 ألف ريال.

مدير عام الهيئة العامة للآثار بعدن محمد أحمد السقاف ذكر في تصريح لموقع "المشاهد" أن ميزانية فرع الهيئة لا تتجاوز 20 إلى 30 ألف ريال يمني شهرياً، والحكومة غائبة عن دعم قطاع الآثار، ولم تقدم شيئا يذكر لهذا القطاع، حسب تعبيره، وبعملية حسابية سريعة يتضح أن حصة كل موقع أثري في عدن لا تتجاوز 652 ريالا، أي ما يعادل 35 سنتا من الدولار.

ويؤكد السقاف لذات الموقع أن 46 معلماً أثرياً وتاريخياً في عدن تعرضت للتدمير والإهمال خلال سنوات الحرب، ومن أبرزها: "مسجد طائفة البهرة، ورصيف السياح، المتحف الحربي، مدرسة أبناء السلاطين وساعة بيغ بن".

كما يشير السقاف أن عمليات البناء العشوائي والتوسع الزراعي والعمراني، والإهمال المتعمد والاحتقانات المسلحة التي تشتعل ما بين فترة وأخرى باتت تشكل تهديداً على قطاع الآثار في المحافظة، خاصة في صهاريج عدن وقلعة صيرة التاريخية.

حوالي 35 سنتا من الدولار لصيانة 137 عام

وحيال "بيغ بن عدن" و137 عام من التاريخ يقول محمد فتحي من سكان مدينة التواهي بعدن "نشعر بخيبة أمل من مسئولي الحكومة الشرعية ومثلها المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادته كافة حيث نشاهد "ساعة بيغ بن عدن" وهي تاريخ يمتد إلى ما قبل 137 عام تتعرض للإهمال، فضلا عما تتعرض له المواقع الأثرية الأخرى للبسط والبناء العشوائي".

وبحسرة تتساءل منى عبد الرحمن من سكان التواهي "كيف لمسئول سواء من أبناء عدن أو من خارجها أن يدعي حبه لعدن وهو يرى كل هذا الخراب والدمار، هل يخجل وهو يتقاضى عشرات الآلاف من الدولارات شهريا، فيما المخصص الشهري للعناية بمعلم تاريخي يعود إلى ما قبل 137 عاما "ساعة بيغ بن عدن" لا يعادل سوى 35 سنتا من الدولار".

792 مليار ريال إيرادات ضريبة وجمركية تعجز عن ترميم معالم عدن الأثرية

وفي الوقت الذي تتعرض فيه المعالم الأثرية والتاريخية في عدن والمحافظات الجنوبية للإهمال، كشفت وزارة المالية في حكومة الشرعية أن الإيرادات الضريبية والجمركية لوحدها فقط والتي تدفقت إلى خزينتها لعام 2023 بلغت 792 مليار ريال، وعام 2022 بلغت 885 مليار ريال، وهذا فقط الايرادات الضريبية والجمركية وغالبيته من المحافظات الجنوبية.

وأكد تقرير الوكالة الدولية للطاقة للعام 2022 أن حكومة الشرعية صدرت 22.8 مليون برميل نفط خام من المحافظات الجنوبية وهو ما تعادل قيمته مليارين دولار- وتساوي 3.2 تريليونات ريال سعر الصرف 1600 ريال للدولار الأميركي وذلك قياسا بالسعر العالمي آنذاك والذي كان يتذبذب ما بين 85 إلى 92 دولارا.

الصحفي ياسين الرضوان يقول" تتعرض المواقع والمعالم الأثرية في عدن إلى إهمال كبير، رغم توقف الحرب فيها منذ سنين، نحاول تسليط الضوء إعلاميا على هذا الجانب المهم من حياة المدينة؛ وعندما نذهب إلى هناك محاولين فهم ما يحدث، نجد كما لو أننا لا نزال نعيش حالة حرب في الشوارع والحوافي وأنه ليس بالإمكان عمل شيء لهذه المعالم السياحية الشهيرة، نرى جهودا جميلة لإعادة تأهيل الحدائق والجولات والأرصفة، ولكن مجهودات السلطات المحلية لا تقترب من المناطق والمعالم الأثرية، مع أنها تمثل وجه المدينة الحقيقي، وأيضاً متنفساً جيدا للناس، ويكون على الأقل لدينا مكان يذهب إليه الأجانب في حال وصلوا إلى عدن، لنقول بعدها إن الوضع بخير، هكذا جوانب مهمة لأنها تعطي انطباعات جيدة في اتجاهات أخرى".

ويضيف "عدن مدينة سياحية بامتياز، ويجب أن تكون كذلك على الدوام، لكن آثارها كما قيل لنا لا تزال في خزانة من خزانات البنك بعد تعرض جزء منها للنهب أو الضياع، ولا أحد يستطيع تصويرها أو حتى رؤيتها، عملت تقريرا تلفزيونياً عن الآثار في عدن فأخذت الصور من متحف شبوة الذي صارع للبقاء ونجح أفضل من متاحف العاصمة عدن"، كما سألنا "المسؤولين في الآثار عما يجري، قالوا إنه لا تكاد توجد حتى ميزانية تشغيلية لهذا القطاع رغم مرور السنين، قلت لهم على سبيل السخرية المبكية، شغلوا مززكم، ثم انصرفت وأنا أشعر بخيبة أمل كبرى، أحقا لا توجد لدينا آثار أو معالم في عدن؟! التي قيل لنا ذات مرة إنها مستقر الأرض وأن وحوش يوم القيامة ستستيقض منها".

ويختتم الرضوان أن "البداية من ضرورة إعادة تأهيل وترميم المواقع الأثرية، وكذلك مواقع البنى التحتية التي تسندها من فنادق ومنشآت مدمرة يجب إعادتها لتضطلع بدورها، وبالطبع ندرك أن هذا لن يحدث بعصا سحرية، بل نطالب بإيجاد رؤية لأنه طيلة الفترة السابقة لم توجد الرؤية، وإلا لكنا قد أكملنا عمليات الترميم وبشكل بطيء جداً، لو أخذنا معلما وراء آخر في كل عدد من الأشهر لكانت النتائج الآن مبهرة، ولكن لم يفت الوقت الآن لإعادة ما فاتنا سابقاً، فمن لا يهتم بماضيه لن يصنع حاضره".

من جانبه يقول الدكتور منصور حبتور" تشتهر مدينة عدن بالمعالم والمواقع الأثرية التي ورثتها المدينة الساحلية، لقد أفرزت المحطات المختلفة التي مرَّت بها عدن بصماتها فتركت الدور والمعابد والكنائس وغيرها من المعالم التاريخية ولكن المعالم الأثرية تعرَّضت للتدمير بفعل عوامل مختلفة، على رأسها حربي 1994 و2015 اللتين شهدتهما عدن، بالإضافة للبناء العشوائى من قبل النافذين والمواطنين" .

ويضيف "أن رفع الوعي المجتمعي بأهمية المعالم الأثرية والتاريخية في عدن هو أول خطوة نحو معالجة كل الإشكاليات، كما يتطلب ضرورة عاجلة ترميم ما تبقى والحفاظ علية، رغم أن اعتقادي بأن الترميم يحتاج مبالغ ضخمة لكون الترميم يحتاج تقنية خاصة".

منصة" الفانوس" ستواصل في تقارير قادمة أن تبحث هذه القضية مع الجهات ذات الصلة، للتتعرف على ما يعيق فكرة إعادة ترميم وصيانة المعالم التاريخية والأثرية في عدن.

زر الذهاب إلى الأعلى