تقارير معمقة

ارتفاع الأسعار يحول حياة الناس إلى جحيم في عدن .. وكيس الدقيق بـ40 ألف ريال

الفانوس- عبد الفتاح جميل

على الرصيف في "جولة البط" بمدينة عدن افترش العم يحيى عوض الأرض، وعلى الرغم من الأجواء الملبّدة بالمتاعب والهموم، إلا أنه يحاول أن يعبّق المدينة بالروائح الزكية من العطور والبخورالتي يبيعها في بسطة صغيرة، وهي مصدر دخله الوحيد.

المواطن يحيى عوض..70 عاما على الرصيف في جولة البط بعدن

يبلغ عمر العم يحيى 70 عاما ولديه سبعة أولاد، وعاصر المدينة في فترات مختلفة وشهد على حقب تاريخية عاشتها عدن بين رخاء وشدة، لكن بحسب ما يقول تعيش المدينة اليوم أسوأ حالاتها، وحياة الناس باتت صعبة جدا.

يقضي العم يحيى نصف نهاره وليله في جولة البط على أمل أن يتمكن من بيع باقة بخور أو قنينة عطر، ويضطر لسد جوعه بعلبة بسكويت يبللها بجرعة ماء، ومع ذلك يعود كل ليلة خالي الوفاض.

يحيى عوض(الفانوس)

يقول" ماذا نسوي"؟ لم نعد نستطيع توفير أبسط المتطلبات الضرورية للأسرة ، ما بالك وأنت تعول أسرة كبيرة" ويضيف" هذه السنة العمل فيها راكد ولا يوجد حركة تجارية كالسنوات السابقة بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية لدى الناس"

وعن السنوات الماضية يفيد العم يحيى بأنّ البيع كان جيدا حيث كان يبيع في اليوم الواحد بأكثر من 30 الف ريال، أما اليوم بحسب ما يذكر لم يستطيع طوال أيام شهر رمضان البيع سوى بثلاثين ألف ريال، أي ما يعادل تقريبا 100 ريال سعودي، ويتحسّر لوضع الناس في ظل ارتفاع الأسعار وانقطاع الرواتب، وانعدام فرص العمل.

وعن تعاون الناس وتراحمهم في شهر رمضان الكريم يقول العم يحيى" كان في السابق الناس تتراحم فيما بينها، وتمد أياديها للمحتاجين والفقراء، أما اليوم فقد غابت هذه المبادرات الإنسانية، ولم يعد أحد يشعر بالآخر أو يتلمس حاجته"

راتب المعلم يساوي قيمة كيس الدقيق في عدن والمواد الأساسية لمن استطاع إليها سبيلا

غلاء الأسعار أحال حياة الناس في عدن والمحافظات الأخرى إلى جحيم حيث تبلغ قيمة كيس الدقيق(50 كليو) حوالي 40 ألف ريال ما يعادل راتب المعلم تقريبا، بينما وصل سعر كيس الأرز 46 ألف ريال، وكيس السكر 64 ألف ريال وجالون الزيت(20 لتر) 36 ألف ريال، وهذه الأساسيات التي يعجز المواطن البسيط من توفيرها.

الأستاذ عادل « 45 عاماً » يعمل معلماً ويتقاضى راتباً لا يتجاوز الــ 70 ألف يقول إن وضع الناس صار صعبا للغاية بفعل الارتفاع في الأسعار وخصوصا في شهر رمضان ويستغرب كيف يتعايش الناس مع هذا الواقع في ظل انعدام المواد الأساسية للعيش، واصفا الوضع بالمحزن.

عبد الباقي فرحان(الفانوس)

ويتفق الأستاذ عبدالباقي فرحان" 45 عاماً" مع زميله عادل ويقول" المواد الغذائية صارت لمن استطاع إليها سبيلا" ويضيف" تدهور العملة وغياب الدولة والأحداث الأخيرة في البحر الأحمر، كلها تكالبت على المواطن ومسّت أساسيات الحياة اليومية لديه، فصار حلم معظم اليمنيين الدقيق والرز والسكر والزيت لأن ما سواها صارت بعيدة عن تفكير المواطن حيث أن متوسط راتبه لا يساوي 40 دولارا بالشهر"

جشع التجار وغياب الرقابة الحكومية

وعلى الرغم من خطابات رئيس الحكومة الجديد الدكتور أحمد عوض بن مبارك التي تتحدث عن إصلاحات اقتصادية، إلا أنّ الانهيار ما يزال مستمرا، وأوضاع الناس أكثر من سيئة، حيث فقد الريال اليمني أكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار الأمريكي، وهذا الأمر ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة، فضلا عن استمرار الفساد والاختلالات في كافة مرافق الدولة.

الصحفي الاقتصادي وفيق صالح يقول بهذا الصدد" في الحقيقه مشكلة ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في اليمن أصبحت قضية تؤرق الجميع ، خصوصاً مع حلول شهر رمضان الذي تصعد فيه أسعار السلع فجاءة ، حتى وإن لم يكن هناك أي أسباب أو عوامل اقتصادية"

ويضيف "خلال شهر رمضان تتزايد عملية الطلب والاستهلاك من قبل المواطنين ويجد التجار هذا الأمر فرصة للمغالاة في أسعار البيع لتحقيق أرباح سريعة أو تعويض الخسائر التي يتكبدها بعض التجار في بقية شهور العام، نتيجه الركود وضعف الإقبال" ويعزي ذلك الارتفاع إلى المغالاة  من قبل التجار وغياب الرقابة الحكومية.

وفيق صالح(الفانوس)

م.ع 48 عاماً تاجر جملة وتجزئة بمديرية خور مكسر بمحافظة عدن فضَّل عدم ذكر اسمه يقول"  التجار تعاملاتهم في البيع والشراء فيما بينهم بالريال السعودي بسبب تدهور العملة وتراجع الريال اليمني، وأضاف للأسف الدولة بدلا من أن تمنح المواد الغذائية تخفيض 100% في الضرائب والجمارك ضاعفت السعر على التجار وهذا فاقم من الارتفاعات على المواطن"

ويضيف" التجار يطالبوا بإعفائهم من الضرائب والجمارك عند استيراد المواد الغذائية كما أنهم يقولوا أن سبب هذا الارتفاع أيضا تكلفة نقل المواد الغذائية بسبب ارتفاع أسعار النفط"

أرقام أممية مخيفة ومساعدات لا تصل إلى مستحقيها

تفيد تقارير الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة أنّ أكثر من 20 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويواجهون صعوبة في الحصول على الغذاء الكافي لإطعام أنفسهم وعائلاتهم، وبأنّ أكثر من 3 ملايين طفل يمني  يواجهون سوء تغذية حاد، ويتهددهم خطر الموت، وتحصل تلك المنظمات على قرابة ملياري دولار سنويا كمنح في إطار الاستجابة الإنسانية في اليمن، لكن ما تزال بحسب البعض آلية الوصول للمستحقين ضعيفة، وتتطلب دراسات تقييم أثر.

بدوره المبعوث الأممي الخاص لليمن يتحدث في معظم إحاطاته أنّ مفتاح معالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي في اليمن يتمثّل في إنهاء الصراع العسكري، والدخول في حوار سياسي سريع وعاجل يخرج اليمن مما هي فيه منذ تسع سنوات.

وإلى أن يتم ذلك يتوجب على الحكومة اليمنية الشرعية والأمم المتحدة التخفيف من حدة الأزمة المتفاقمة من خلال زيادة المساعدات الإنسانية وتوفير الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية، وترشيد الدعم والتوجّه نحو مشاريع مستدامة مثل دعم الإنتاج الزراعي الذي يمثّل ركيزة اقتصادية أساسية تقلل من كلفة الاعتماد على الواردات، وكذلك تمكين الناس اقتصاديا بمشاريع صغيرة ومستدامة.

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى