تقارير معمقة

طلاسم الوصفات الطبية ..تحوّل الأطباء من ملائكة الرحمة إلى قباضي الأرواح

الفانوس-لؤي العزعزي

يقترن اسم الأطباء بملائكة الرحمة إلا أن خطأ بسيطا منهم سوف يحولهم إلى قباضي الأرواح، وفي أحسن الأحوال سيكونون سببا في إصابة مريض بعاهة مستديمة، وهذا ما سجلته حالات عديدة في أكثر من مستشفى، وأن لم تكن حتى الأن قد سُجلت حالة واحدة لمقاضاة طبيب بسبب خطأ طبي، نظرا لعدم وجود قوانين رادعة تحمي المريض من طبيبه، وفي هذا الصدد انطلقت منصة"الفانوس" في هذه التقرير للتتعرف أكثر على أحد أهم وأخطر الأخطاء الطبية، والمتمثلة بكتابة الوصفات الطبية بخط سيء وغير مقروء في حالات كثيرة، وتداعيات ذلك على حياة المرضى الذين تعرضوا لمضاعفات بالغة الصعوبة بفعل عجز الصيدلاني على فك طلاسم وصفات الأطباء.

الفانوس

بين علاج الأمراض النفسية والتنفسية وقع صيدلاني في خطأ قاتل

ليست اليمن من تعاني من مشكلة سوء خط الأطباء، بل أنها مشكلة عالمية وفي هذا الصدد يستشهد الدكتور الصيدلاني أبو بكر العامري بدراسة أمريكية أعدها المعهد الطبي في وأشنطن، وتفيد بأن خط الأطباء السيء يفضي لموت قرابة سبعة آلاف شخص حول العالم حسب الحالات الموثقه، مع الإشارة إلى غياب الشفافية فيما يتعلق بأسباب الوفاة؛ فالمشافى لن تحصي ما قد يسيء لسمعتها، والدراسة حسب الحالات الموثقة فقط، والرقم قد يكون مخيفا جدا حسب الكثير من المؤشرات والمعطيات.

ويشير الصيدلاني أبو بكر العامري أنه وزملاؤه الصيادلة يعانون من صعوبة قراءة الوصفات الطبية لبعض الأطباء، ولديهم دائما مخاوف من الآثار الخطيرة التي قد تترتب عن صرف دواء خاطئ قد يؤدي للموت، أو لزيادة سوء المرض، أو الإصابة بعاهه مستديمه.

ويضيف العامري مستذكرًا" بسبب سوء خط طبيب صرف أحد الزملاء دواء

Risperidone علاج لبعض الحالات النفسية بدلًا عن Apidone علاج للإلتهابات التنفسية

مما أدى إلى إصابة المريض بمشاكل نفسية إلى جانب المعاناة المرضية التي كان يعاني منها وذلك كله لسوء الخط مما أدخله في مشاكل وشرائع ويضيف بأن بعض المواطنين متعبين وفقراء لا يستطيعون الذهاب للطبيب؛ فيذهبوا للصيدلي كي يعطيهم ما يخفف من الآمهم، وأوجاعهم فضلا عن التأكد من الوصفات الطبية الصحيحة".

العامري(الفانوس)

 الوصفات غير المقروءة .. حيلة تجارية أو جهل طبي

دائما ما يتساءل المرضى وذووهم عن سبب عدم وضوح خط الأطباء أثناء كتابة الوصفات العلاجية(الروشتات) وما هي الحكمة من ذلك، ولم يجدوا إجابة واضحة ومقنعة حتى الأن، وكيف يواجه الصيادلة هذه المعضلة التي تدفعهم أحيانا للتخمين، وصرف أدوية خاطئة، قد تؤدي لمضاعفات خطيرة، وربما الموت.

الدكتور رياض سمير يقول في هذا الصدد "هناك أطباء يكون خطهم سيء بالفعل دون قصد، وآخرين يكتبون الوصفات بسرعة لأسباب عديدة منها: ضغط العمل، والسرعة، والصنف الأخير يتعمدون الكتابة بشكل مبهم من أجل الحفاظ على وصفته العلاجية، ويحافظ على المكان الذي وصى إليه الأدوية، ويحافظ على مرضاه خصوصا أن البعض يكون متعامل مع بعض الصيدليات ويضمن أن المريض لن يذهب لصيدلية أخرى"

يضيف الدكتور سمير " للأمانة أعرف دكتورة روسية تكتب بخط مبهم لا أحد يستطيع أن يفهمه إلا الصيادلة في نفس المستشفى، سألت لماذا تكتبون بهذا الخط وتبيّن لي أنّ خطها ليس سيء، ولا أنّها متعمدة ولا عندها نسبة من الصيدلية ولكن حصلت عدة إشكالات حيث كان المرضى يشترون أدوية من الخارج ويصرفوها بشكل خاطئ ويعودون للدكتورة دون أن تكون هناك أي نتائج إيجابية في الخطة العلاجية، لذلك هي تتعامل مع صيدلية المستشفى من أجل ضمان عدم وجود أخطاء وتضمن الفائدة المرجوة".

ويؤكد الدكتور رياض سمير على ضرورة وضوح الخط في كتابة الوصفات الطبية ويوجه رسالة عبر منصة "الفانوس بقوله" يجب أقل شيء أن يطرح الصيدلي الأسئلة الاستفسارية للمريض كي ينجح في إيجاد الدواء المشخص من قبل الطبيب المختص، ويفضل عودة المرضى للأطباء كي يؤكد ان الدواء هو المناسب ويعطيهم خطة علاجية ناجعة"

رياض سمير(الفانوس)

الصيادلة ضحايا أو جلادون؟

هناك شبه إجماع على أن معظم الأطباء يكتبون بطريقة غير مفهومة، ويرى البعض على أنها مجرد حيلة تجبر المرضى على شراء الأدوية من صيدليات المشافي التي يعملون لديها، وكان علينا أن نعود للطرف الأخر من المشكلة وهم الصيادلة لكي نفهم موقفهم، وكيف يتعاملون مع المشكلة.

الصيدلي محمد عادل يقول بإنه أصبح يعاني من ضغط نفسي كبير خوفا من الوقوع في الخطأ وخصوصا أن بعض زملائه وقعوا بالفعل في مشاكل وخلافات قانونية عديدة مع مرضى بسبب خطأ في صرف الأدوية، ويضيف "أصبح العمل الصيدلاني معقد وخطير فنحن محاطين بشفرات الأطباء وذنب خطأ قد يحدث، ونشعر أحيانا ونحن نقرأ بعض الروشتات وكأننا نقرأ طلاسم قد تكون لقنبلة موقوتة للخطأ"

من جانبه يؤكد الصيدلاني أحمد العزعزي وجود المشكلة، ويوضح بأن هناك الكثير من الأدوية متقاربة في الكتابة والنطق والشكل أيضا منها:

الفانوس

:Septrin /Septilin

Digestin/ Digoxin

Fucidin /Fucidin H

Bresol/Bonnisan

Duphaston/Duphalac

مضيفا أنه من غير المناسب استمرار الأطباء في كتابة الأدوية يدويا وخطوطهم سيئة غير مفهومه، في الوقت التي تتواجد فيها الأجهزة الإلكترونية.

وفي ذات السياق يؤكد الصيدلي محمد قاسم ما قاله زملاؤه ويؤكد بأن غالبية الأطباء يتفقون مع شركات أدوية لصرف منتجاتها للمرضى، وبحسب إفادته فإن هناك صيادلة أيضا يتفقون مع الأطباء على كتابة معينه لصرف أدوية بعينها. وعندما يأتي مريض يطلب دواء يرشح له الصيدلي دواء آخر لأنه يستلم نسبه من الشركة، إلى جانب قيام شركات الأدوية على استقطاب دكاترة لترويج وصرف أدويتها مقابل مبالغ ضخمة وهذه الطريقة هي الأكثر انتشارا لتسويق الأدوية في اليمن حد قوله.

قوانين رادعة وجهات حكومية خانعة ومواطن يجهل حقوقه

الفانوس

اطلعت منصة "الفانوس" على نسخ من البنود الصادرة عن وزارة الصحة اليمنية، لما يسمى سياسة الأدوية عالية الخطورة -أي التي قد تضر المريض وتتسبب بخطورة على صحته- وسياسة الأدوية عالية المحاذير-وهي الأدوية التي قد تتسبب في الوفاة، أو الإعاقة الدائمة، هذا إلى جانب بنود اللجنة والأهداف العالمية لسلامة المريض، ومنها وأهمها وضوح خط الوصفات الطبية، والحذر من صرف الأدوية عالية المخاطر والمحاذير، لكن كل ذلك يبقى حبرا على ورق، وغير قابل للتطبيق، بسبب الاهمال الحكومي وغياب الرقابة، وضعف الاحساس بالمواطنين، وما يعانوه بشكل يومي وعلى مختلف الأصعدة والمجالات.

ويشترك المواطن بجزئية بسيطة في معضلة الأخطاء الطبية  الناتجة عن سوء خط الأطباء، حيث يتوجب عليهم الوعي بحقوقهم وعدم السكوت عن تلك الأخطاء القاتلة، فضلا عن تقصيرهم في التأكد من نوع الأدوية التي صرفت لهم، ومطابقتها مع الوصفات المكتوبة، أو على الأقل العودة للطبيب بعد شراء العلاج لكي يتأكدوا من مطابقة العلاج للوصفة المكتوبة، واتباع إرشادات الطبيب في استخدام العلاج والإنضباط في مواعيد تناوله.

زر الذهاب إلى الأعلى